فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (158):

قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما تم ما نظمه تعالى في أثناء هذه القصص من جواهر أوصاف هذا النبي الكريم حثًا على الإيمان به وإيجابًا له على وجه علم منه أنه رسول الله إلى كل مكلف تقدم زمانه أو تأخر؛ أمره سبحانه أن يصرح بما تقدم التلويح إليه، ويصرّح بما أخذ ميثاق الرسل عليه تحقيقًا لعموم رسالته وشمول دعوته فقال: {قل} وأتى بأداة البعد لأنه محلها {يا أيها الناس} وقد مضى في الأنعام أن اشتقاقهم من النوس، وأن الإمام السبكي قال: إن ذلك يقتضي دخول الجن والكملائكة فيهم.
وتقدم عند {ولا تبخسوا الناس أشياءهم} في هذه السورة ما ينفع هنا {إني رسول الله} أي الذي له جميع الملك {إليكم جميعًا} أي لا فرق بين أدركني ومن تأخر عني أو تقدم عليّ في أن الكل يشترط عليهم الإيمان بي والاتباع لي؛ وهذا المراد بقوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة- رضي الله عنهم- حين رفع إليه الذراع فنهش منها فقال: «أنا سيد الناس يوم القيامة» وللدرامي في أوائل مسنده عن جابر- رضي الله عنهم- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أنا قائد المرسلين ولا فخر، وأنا خاتم النبيين ولا فخر، وانا أول شافع وأول مشفع ولا فخر» وللترمذي في المناقب عن أنس- رضي الله عنهم- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال؛ «أنا أول الناس خروجًا إذا بعثوا، وأنا قائدهم إذا وفدوا، وأنا خطيبهم إذا أنصتوا، وأنا مستشفعهم إذا حبسوا، وأنا مبشرهم إذا أيسوا لواء الحمد يومئذ بيدي، وأنا أكرم ولد آدم على ربي ولا فخر» وقال: حديث حسن غريب، وله في المناقب أيضًا عن أبي بن كعب- رضي الله عنهم- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان يوم القيامة كنت إمام النبيين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم غير فخر» وقال: حسن صحيح غريب؛ وللترمذي والدارمي عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا! وأنا حبيب الله ولا فخر، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامه تحته آدم فمن دونه ولا فخر، وأنا أول شافع وأول مشفع يوم القيامه ولا فخر، وانا أكرم الأولين والآخرين ولا فخر» وللترمذي وقال: حسن- عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنهم- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامه ولا فخر وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي» الفخر: ادعاء العظمة والكبر والشرف، أي لا أقوله تبجحًا، ولكن شكرًا وتحديثًا بالنعمة؛ وما اجتمع بهم في مجمع إلا كان إمامهم قبل موته وبعده، اجتمع بهم ليلة الإسراء في بيت المقدس فصلى بهم إمامًا، ثم اجتمع بهم في السماء فصلى بجميع أهل السماء إمامًا، وأما يوم الجمع الأكبر والكرب الأعظم فيحيل الكل عليه ويؤمنون بالرسالة، وما أحال بعض الكابر على بعض إلا علمًا منهم بأن الختام يكون به.
ليكون أظهر للاعتراف بأمانته والانقياد لطاعته، لأن المحيل على المحيل على الشيء محيل على ذلك الشيء، ولو أحال أحد ممن قبل عيسى عليه السلام لطرقه احتمال، والحاصل أنه صلى الله عليه وسلم يظهر في ذلك الموقف رسالته بالفعل إلى الخلق كافة، فيظهر سر هذه الآية: {الذين يتبعون الرسول} والله الموفق.
ولما دل بالإضافة إلى اسم الذات الدال على جميع الصفات على عموم دعوته وشمول رسالته حتى للجن والملائكة، أيد ذلك بقوله: {الذي له} أي وحده {ملك السماوات والأرض} أي فلا بدع أن يرسله إلى جميع من فيهما، بل وما فيهما.
ولما كان مما بالغه في الدنيا أنه ربما في مملكة الملك من يناظره أو يقرب منه من ولي عهد أو نحوه، فربما رد بعض أمره في صورة نصح أو غيره؛ نفى ذلك بقوله مبينًا تمام ملكه: {لا إله إلا هو} أي فالكل منقادون لأمره خاضعون له، لأنه لا موجود بالفعل ولا بالإمكان من يصلح للإلهية سواه؛ ثم علل ذلك بقوله: {يحيي ويميت} أي له هاتان الصفتان مختصًا بهما، ومن كان كذلك كان منفردًا بما ذكر، وإذا راجعت ما يأتي إن شاء الله تعالى في أول الفرقان مع ما مضى في أوائل الأنعام، لم يبق عندك شك في دخول الملائكة عليهم السلام في عموم الدعوة.
ولما تقرر أنه لا منازع له، تسبب عن ذلك توجيه الأمر بالانقياد لرسوله فقال: {فآمنوا بالله} أي لما ثبت له من العظمة والإحاطة بأوصاف الكمال وبكل شيء فإن الإيمان به أساس لا ينبني شيء من الذين إلا عليه.
ولما كان أقرب الفروع الأصلية إليه الرسالة قال: {ورسوله} أي لأنه رسوله؛ ثم وصفه بما دل على قربه فقال: {النبي} أي الذي يخبره بما يريد من الأمور العظيمة غيبًا وشهادة، ويعليه عن كل مخلوق بإخباره بإرساله؛ ولما كان علوه على كل عالم- مع أنه ثم يتعلم من آدمي- أدل شيء على صدقه قال: {الأمي} أي الذي هو- مع كونه لا يحسن كتابة ولا قراءة، بل هو على الفطرة الأولى السليمة التي لم يخالطها هوى، ولا دنسها حظ ولا شهوة- بحيث يؤم ويقصد للاقتداء به، لما حوى من علوم الدنيا والآخرة والتخلق باوصاف الكمال.
ولما أشارة بهذه الصفة إلى أن سبب الإيمان الخلاص من الهوى بالكون على الفطره الأولى، قال منبهًا على وجوب الإيمان به، لكونه أول فاعل لما يدعو إليه: {الذي يؤمن بالله} أي لأجل ما يقتضية ذاته سبحانه من التعبد له لما له من العظمة، فكلما تجدد له علم من علوم الذات بحسب ترقيه في رتب الكمال من رتبة كاملة إلى أكمل منها إلى ما لا نهاية له، جدد له إيمانًا بحسبه، لا تعتريه غفلة ولا يخالطه سهو ولا شائبة فتور {وكلماته} كذلك أيضًا، كلما تجدد له علم بصفة منها جدد لها إيمانًا، ومنها المعجزات التي جرت على يديه، كل واحدة منها كلمة لأن ظهوره بالكلمة، كما سمى عيسى عليه السلام كلمة لذلك.
ولما تقرر أنه امتثل ما أمر به، فثبتت بذلك رسالته، استحق أن يكون قدوة فقال: {واتبعوه} أي في كل ما يقول ويفعل مما ينهى عنه أو يأمر به أو يأذن فيه {لعلكم تهتدون} أي ليكون حالكم حال من يرجى له حصول ما سأل في الفاتحة من الاهتداء، أي خلق الهداية في القلب مع دوامه. اهـ.